د. صديق عطية يكتب: فوز ترامب.. وأحلام نتنياهو
لا شك كانت هناك دوافع عديدة ساهمت في فوز ترامب على هاريس وبفارق يؤكد شعبيته الكاسحة، لعل من أبرز تلك الدوافع العامل الشخصي؛ فبالرغم من كون ترامب واحدًا من أكبر رجال الأعمال إلا أنه يملك خطابا يبدو لجمهوره عفويا، به من التجاوزات التي يقبلها المجتمع الأمريكي، بل يرى في صاحبها نموذج ( الكاو بوي) المنتظر الذي سيعيد لأمريكا مجددًا قوةً بددها الديمقراطيون.
أما العامل الاقتصادي فما زال الأمريكيون يذكرون ما حققه ترامب في ولايته الأولى للاقتصاد الأمريكي، فحسبه صفقاته التجارية 2017 مع دول الخليج التي تجاوزت 460 مليار دولار، أضف إلى ذلك كون المجتمع الأمريكي يشجع الرأس مالية المفرطة، ويضع على رأس أولويات رغباته طموحا اقتصاديا وعَدَهم به ترامب.
حيث كشف إجراءات سيتخذها فور توليه الحكم مجددا، كإنهاء الحرب الأوكرانية، وإقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط، وطرد المهاجرين غير الشرعيين… إلخ. ومنها الدافع الأخلاقي، حيث فَقَد الناخبُ الأمريكي ثقته بالديمقراطيين الذين يتشدقون بالعدالة والمساواة وسياستهم الخارجية عنصرية تنتهك حقوق الإنسان، بل هي مسؤولة عن الأوضاع الكارثية في غزة، فكان رفض المجتمع الأمريكي لما يجري في الشرق الأوسط بمنحًى أخلاقي سببًا في الإعراض عن هاريس – وهي عضو في الإدارة الحالية- إذ نجاحها يعني استمرار الأزمة، بل تفاقمها.
استغل ترامب تلك الأوضاع وأصدر سيلا من وعودٍ؛ إنفاذها يصلح ما أفسده الديمقراطيون في ولاية بايدن…
لكن ابتهاج نتنياهو لفوز ترامب ومبادرته بتهنئة ترامب تدفعنا إلى طرح تساؤلٍ.. يتوقف مصير غزه بل والشرق الأوسط كله على صدق الإجابة عنه.
كتب نتنياهو مهنئًا ترامب تغريدته: “تهانينا على أعظم عودة في التاريخ” فهي ليست مجرد تهنئة يقتضيها بروتوكول رسمي، بل فرحة حقيقية “بعودة” ترامب لاستكمال دعمه لإسرائيل، لذا يرى نتنياهو تلك العودة “تاريخية” لأنه يحلم بتحقُّق حُلم اليهود (التاريخي) في سنوات ترامب الأربعة القادمة.. ألم يصفه نتنياهو في البيت الأبيض بأنه “أفضل صديق لإسرائيل على الإطلاق”؟. ألم يكن إلغاء الاتفاق النووي الإيراني استجابة من ترامب -أثناء ولايته الأولى- لمعارضة إسرائيل للاتفاق؟ ألم يعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل والذي يُعتبر بمثابة حسم الجولة الأولى من الحرب الجارية لصالح إسرائيل؟ من أجل ذلك وصف مايكل أورين سفير إسرائيل بأمريكا ولاية ترامب الأولى “بالنموذجية” لإسرائيل.
فهل حقًا -بعد هذا- سيصدق ترامب في وعوده التي قطعها على نفسه؟ أم كانت مجرد دعايات انتخابية والدفع بما يحصد أصوات الناخبين؟ هل فعلا سينهي -فيما يخصنا- حرب غزه ولبنان؟
إن نتنياهو يرى في فوز ترامب فرصة له للنجاة من التحقيقات التي أمست تطرق باب مكتبه، بل يطمح في استمرار حربه لغزه، وتوسيع الهجوم البري على لبنان، بل وامتداد الحرب إلى سوريا وغيرها من بلدان المنطقة.
لاشك لأحلام نتنياهو ما يبررها ويجعلها مقبولة حقا، فبالرجوع لبضع سنوات مضت، في ولاية ترامب الأولى سنذكر أن إسرائيل قد أخذت ضوءًا أخضر للتوسع في إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ثم ألم تضع أمريكا – بواسطه كوشنر صهر ترامب – مخططها لمنطقة الشرق الأوسط والذي عُرِف بصفقة القرن؟
فإذا علمنا أن هذه هي ولاية ترامب الأخيرة، فلا حساب لملاءمات يحافظ عليها لكسب معركة انتخابية أخرى. إذن فليس من المستبعد أن يكون أكثر حدة وفجاجة في إنفاذ صفقة القرن؛ صانعا بذلك جميلًا للمرشحين من بعده، مجنبا إياهم الحرج مع ناخبيهم ومستغلا كون العرب ـ الآن ـ الطرف الضعيف من معادلة القوى، مُمَكِّنًا بذلك إسرائيل من استيطان غزة وضم الضفة الغربية إليها كذلك.
ولا يُسأل ـ بعد ـ عن وعود ترامب؛ ألم تكن الأزمة الدبلوماسية 1917 التي اجتاحت مجلس التعاون الخليجي قد وقعت بعد وعود ترامب بالسلام في الشرق الأوسط ؟
– ألم يحتدم الصراع الأمريكي الإيراني 2018، وانتهي إلى إلغاء الاتفاق النووي الدولى مع إيران، وهدد ترامب إيران بإعلان نهايتها الرسمية
– أضف إلى ما سلف دليلا آخر؛ فبحسب استطلاعات الرأي بعد التصويت الرئاسي الأمريكي قد حصل ترامب على أكثر أصوات الإنجيليين والبروتستانت مقارنة بهاريس، وفي هذا دلالة على توقعهم من ترامب دعما أمريكيا أكبر لإسرائيل في ظل ولايته الثانية والأخيرة.
كانت هذه القراءة تأكيدا على أن المواقف الأمريكية والغربية عموما يرسم أفقها للآتى تاريخهم الدموي في منطقة الشرق الأوسط، لكننا رغم ذلك ليس لنا أن نيأس؛ فلإنْ صدقت هذه القراءة على أسوء تقدير فهو نصف المعادلة لا أكثر، أما نصفها الآخر فهو في أيدينا نحن العرب.. إن موقف مصر والأردن الثابت في قضية تهجير الفلسطينيين ورفض تصفية القضية هو الصخرة التي تحطمت عليها أحلام إسرائيل حتى الآن، وزيادة الدعم في توحيد هذا الموقف -وهو ما نرجوه- من سائر الدول العربية والعالم الحر لاشك سيجهض تلك المخططات التي لا تحترم القانون الدولي ولا الأعراف الإنسانية، فالرفض والوحدة سلاح ليس بالهين في ظل تحولات لميزان القوى العالمي، ولنا أن نستفيد من تلك الهزة ما يحفظ وجودنا ويحقق إرادتنا.
المصدر موقع الفجر
اكتشاف المزيد من نهج
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.