مسار جديد لتمكين الطلاب نحو التعليم العالي في مصر”



في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها قطاع التعليم العالي بمصر وسعي الدولة المستمر لفتح آفاق جديدة للطلاب، برزت السنة التأسيسية كأحد المسارات الحديثة التي تستهدف تيسير الوصول إلى التعليم الجامعي وتوفير فرص متنوعة للطلاب. وبما أن هناك العديد من التساؤلات حول ماهية السنة التأسيسية وأهدافها ودورها في النظام التعليمي، أجرينا حوارًا مع الدكتور مصطفى رفعت، أمين المجلس الأعلى للجامعات، الذي سلط الضوء على هذا المسار ودوره في تحسين منظومة التعليم العالي في مصر، بما يتماشى مع التطورات العالمية في هذا المجال.

أكد الدكتور رفعت في حديثه على أن السنة التأسيسية، المعروفة دوليًا باسم Foundation Year، ليست بديلًا عن الثانوية العامة، بل مكملة لها، إذ تهدف إلى توفير مرونة أكبر للطلاب من خلال تهيئتهم للتخصصات الجامعية التي يرغبون في الالتحاق بها، خاصة في ظل تنوع أنماط التعليم العالي بين الجامعات الحكومية، والخاصة، والأهلية، والدولية.

 كما تناول الحوار اهتمام الدولة بتوسيع قاعدة التعليم الجامعي لاستيعاب العدد المتزايد من الطلاب الوافدين، وتحقيق مكانة مصر كمركز إقليمي للتعليم العالي، بما يعزز القوى الناعمة للدولة.

في لقاء خاص مع،لموقع الفجر  كشف لنا امين المجلس الأعل للجامعا  عن رؤيته وخططه حول “السنة التأسيسية” (Foundation Year) التي تعد خطوة جديدة تهدف إلى تمكين عدد أكبر من الطلاب من الالتحاق بالتعليم العالي داخل مصر.

 ناقش الدكتور رفعت معنا كيف نشأت هذه الفكرة، وما هي الفوائد والمزايا التي تقدمها، وما يتطلبه تنفيذها من إجراءات لتحقيق أهداف التعليم العالي في مصر.

س: دكتور مصطفى، لماذا فكرتم في تطبيق السنة التأسيسية في مصر، وكيف يمكن أن تساعد في تطوير التعليم العالي لدينا؟

 الحقيقة أن السنة التأسيسية ليست فكرة جديدة، فهي موجودة بالفعل في كثير من دول العالم تحت مسميات متعددة مثل “Foundation Year” أو “Preparatory Year”، وهذا النظام له أهمية كبيرة في إتاحة فرص متعددة أمام الطلاب للوصول إلى التعليم العالي. الهدف من هذا المسار هو توفير بوابة جديدة تلائم الطلاب الذين لم يتمكنوا من تحقيق المجموع المطلوب أو يحتاجون إلى تأهيل أكاديمي قبل الالتحاق بالتخصصات الجامعية.

على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، يعتمد نظام القبول على “UCAS” أو “Unified College Admission System”، وهو نظام يسمح بالالتحاق بالتعليم العالي من خلال شهادات متعددة، وليس فقط على أساس شهادة “GCSE” أو الثانوية العامة. هذا يتيح للطلاب فرصًا أكبر للتعليم الجامعي، ويعطي النظام مرونة في التقييم، حيث أن لكل شهادة وزن مختلف يتيح التقدم للجامعة على أساسها. بالتالي، فإن السنة التأسيسية تهدف إلى فتح مسارات بديلة تساعد في استقطاب عدد أكبر من الطلاب، سواء من داخل مصر أو من الطلاب الوافدين.

س: البعض قد يعتقد أن السنة التأسيسية تهدف فقط لزيادة عدد الطلاب المقبولين في الكليات الطبية تحديدًا. كيف ترد على هذا الطرح؟

 أود التأكيد هنا أن السنة التأسيسية ليست وسيلة لزيادة أعداد الطلاب في كليات معينة، وبالتحديد الكليات الطبية، فالأمر أبعد من ذلك. الفكرة الرئيسية وراء هذه الخطوة هي أن التعليم العالي شهد تغييرات هائلة على مدى العقود الأخيرة، وهناك توجه عالمي نحو إتاحة التعليم العالي لمختلف شرائح الطلاب.

عند النظر إلى تاريخ التعليم العالي في مصر، نجد أن عدد الجامعات زاد بشكل ملحوظ خلال المائة عام الماضية؛ ففي عام 1920 كانت لدينا أربع جامعات فقط، أما الآن فنحن نتحدث عن 115 مؤسسة تعليمية تمنح درجات البكالوريوس والليسانس. هذا التطور لم يحدث من فراغ، بل هو نابع من حاجة حقيقية لدعم قدرة أوسع من الطلاب على الالتحاق بالتعليم العالي. كما أن تعدد أنماط الجامعات اليوم، كوجود الجامعات الخاصة والأهلية والجامعات الدولية، يعكس توسعًا يتطلب توفير مزيد من المرونة.

من هنا، تأتي السنة التأسيسية كمبادرة تهدف لدعم الطلاب الذين قد يكونوا بحاجة إلى وقت إضافي أو تأهيل معين للاندماج بشكل أفضل في بيئة الجامعة، مما يسهم أيضًا في توسيع قاعدة التعليم العالي في مصر وجذب الطلاب الوافدين.

س: كيف سيكون دور الجامعات الحكومية في تطبيق السنة التأسيسية؟ وهل سيتم توحيد المناهج؟

 نعم، الجامعات الحكومية ستقوم بدور رئيسي في تطبيق السنة التأسيسية، حيث ستتولى كليات العلوم وكليات الآداب مسؤولية تدريس المناهج. كما سيقوم المجلس الأعلى للجامعات بتشكيل لجان مختصة لتنظيم آلية تسجيل الطلاب، وتقييم وقياس الأداء بطريقة موحدة تضمن العدالة في التقييم. سيتم إبلاغ الجامعات الخاصة والأهلية بنتائج الطلاب الذين أكملوا السنة التأسيسية حتى يتم تنسيقهم وفقًا لمعدلاتهم.

اللجان الأكاديمية المشكّلة ستعمل أيضًا على دراسة محتوى المواد الأكاديمية وتحديثها بصفة مستمرة، لأن الاحتياجات التعليمية تتغير من عام لآخر. على سبيل المثال، قد يتم إنشاء بنك أسئلة مركزي أو تنظيم امتحانات موحدة لجميع الطلاب، لضمان الجودة والاستدامة في هذا النظام.

س:هل سيكون هناك توزيع إقليمي للتدريس في السنة التأسيسية؟

 نعم، نعمل على تنظيم عملية التدريس بشكل يضمن وصول الطلاب إلى المراكز التعليمية بسهولة. الفكرة الأساسية هي توفير مراكز للسنة التأسيسية على مستوى مختلف الأقاليم في مصر، بحيث يتم توزيع الطلاب بناءً على الكثافة السكانية واحتياجات كل محافظة.

في حال كانت الأعداد كبيرة في إحدى المناطق، سيتم تخصيص أكثر من جامعة حكومية لتقديم هذه السنة التأسيسية، وهذا يعتمد على دراسات تخطيطية سيتم تنفيذها قريبًا. نحن حريصون على أن تكون هذه السنة خطوة مريحة للطلاب، وتتيح لهم الوصول إلى مقارّ التعليم بكل سهولة ويسر.

س: بخصوص تكلفة السنة التأسيسية، هل سيتم تحميل الطلاب مصاريف إضافية؟

 بخصوص التكاليف، ستعتمد السنة التأسيسية على تكاليف فعلية فقط تتعلق باستخدام المنشآت، وأعضاء هيئة التدريس، والنظم الأكاديمية المستخدمة. تكلفة هذه السنة ستكون أقل بكثير من تكلفة سنة دراسية في الجامعات الخاصة أو الأهلية، لأنها لا تستهدف الربح، بل تهدف إلى تقديم خدمة تعليمية بتكاليف معقولة للطلاب.

المصاريف التي سيدفعها الطلاب في السنة التأسيسية ستكون أقل من مصاريف السنة الأولى في أي جامعة خاصة أو أهلية، ما يعني أن الهدف الرئيسي هو توفير فرصة للطلاب للحصول على التأهيل الأكاديمي المناسب دون تكاليف باهظة.

س: هل تتطلب السنة التأسيسية من الطلاب تحقيق درجات معينة للقبول، أم سيكون هناك اختبارات قبل الالتحاق؟

 السنة التأسيسية تعتمد بشكل رئيسي على مجموع الطالب في الثانوية العامة، حيث يُتاح التقديم للطلاب الحاصلين على مجموع يقل بمعدل 5% عن الحد الأدنى للقبول بالكليات الخاصة والأهلية. مجلس الوزراء قام بتحديد هذا النسبة على أساس مقترحات من وزير التعليم العالي. لن يكون هناك اختبارات قبول إضافية؛ فالنسبة المحددة تعطي فرصة للطلاب الذين لم يتمكنوا من تحقيق المعدلات المطلوبة في الثانوية العامة لاستكمال دراستهم في تخصصاتهم المرغوبة.

س: هل يشمل هذا النظام طلاب الثانوية العامة فقط، أم يمكن لطلاب الشهادات المعادلة العربية والدولية التقديم؟

نعم، هذا النظام يشمل جميع الطلاب، سواء كانوا من طلاب الثانوية العامة المصرية أو من طلاب الشهادات المعادلة العربية والدولية. أي طالب يرغب في الالتحاق بالتعليم العالي يمكنه التسجيل في السنة التأسيسية إذا كان يستوفي الشروط المطلوبة.

س: ماذا يحدث إذا لم ينجح الطالب في السنة التأسيسية؟ هل يمكنه إعادة السنة؟

 بالتأكيد، سيكون للطلاب فرصة لإعادة السنة التأسيسية إذا لم يتمكنوا من النجاح في المحاولة الأولى. هذا النظام يتيح للطلاب فرصة لتأهيل أنفسهم وإعادة المحاولة، مما يمنحهم وقتًا إضافيًا لتحقيق المعايير الأكاديمية المطلوبة. يحق للطالب أن يستكمل تعليمه الجامعي خلال السنة التي تخرج فيها، وهذا يوفر له مرونة أكبر.

س: هل هناك مواد معينة سيتم تدريسها في السنة التأسيسية؟

 تم تحديد ملامح عامة للمواد الأكاديمية التي سيتم تدريسها، ولكن سيتم إعادة دراسة هذا الموضوع من قبل لجان مختصة نظرًا للتغييرات التي طرأت على منظومة الثانوية العامة. قد تشمل المواد الأساسية في السنة التأسيسية مواضيع تأهيلية عامة تساعد الطلاب على الاندماج بشكل أفضل في التخصصات الجامعية لاحقًا.

س: هناك بعض الاستفسارات حول الطلاب الذين يرغبون في تغيير مسارهم الأكاديمي. هل يمكن لطلاب المسار الأدبي الالتحاق بتخصصات علمية مثل الذكاء الاصطناعي؟

 القانون الحالي ينص على أن الطلاب المسجلين في المسار الأدبي لا يمكنهم التحويل إلى تخصصات علمية مثل الذكاء الاصطناعي أو العلوم. المسارات الأكاديمية التي يختارها الطالب خلال الثانوية العامة تبقى مرجعًا أساسيًا لتحديد التخصصات التي يمكنه دراستها في المرحلة الجامعية. ومع ذلك، فإن السنة التأسيسية تتيح فرصًا للطلاب لتحسين مهاراتهم ومعارفهم، لكنها لا تلغي القواعد الأساسية لاختيار التخصصات.

س:  أخيرًا، هل السنة التأسيسية تهدف بشكل خاص لزيادة عدد الطلاب المقبولين في الكليات الطبية؟

 على العكس، السنة التأسيسية لا تستهدف زيادة أعداد الطلاب في الكليات الطبية فقط، بل تهدف لتقديم فرص متساوية في كافة التخصصات. هناك طلاب يختارون دراسة الطب خارج مصر بسبب معوقات بسيطة، مثل نقص في مادة أو عدم تحقيق المعدل المطلوب، ومع عودة هؤلاء الطلاب إلى مصر، قد يخسرون فرصة الحصول على تأهيل أكاديمي يتناسب مع جودة التعليم المصري. السنة التأسيسية تهدف إلى تقديم مسارات بديلة وتمكين الطلاب من تحقيق طموحاتهم الأكاديمية داخل مصر.

س: ما هو عدد الطلاب المتوقع التحاقهم في السنة التأسيسية؟

 حتى الآن، لم يتم تحديد العدد النهائي للطلاب المستهدفين، وسيتم وضع هذا التحديد بناءً على دراسات،دراسات تفصيلية ستجرى بالتعاون مع مجالس الجامعات الخاصة والأهلية.

 سيتم عقد ورشة عمل لمناقشة هذا الموضوع وتحديد كيفية تنفيذ هذا المسار، بما في ذلك عدد الطلاب، سواء كان محدودًا أو مفتوحًا، وآلية التوزيع الإقليمي. كما سيتم تحديد الجامعات الحكومية المشاركة وما إذا كانت جميع الجامعات أو جزء منها، بناءً على الاحتياجات الخاصة بكل محافظة.

 ستكون هناك دراسة شاملة تتناول نظام التعليم والمعايير التي سيتم اعتمادها، وكل هذه التفاصيل سيجري العمل عليها من خلال لجنة مختصة وورشة العمل المرتقبة.




المصدر موقع الفجر


اكتشاف المزيد من نهج

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من نهج

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading