معلومات البيع سرية.. والمدرسة الإيطالية تخشى الاندثار


 

عراقة الأبنية التراثية وعظمتها تكمن في كونها تحوي طرزًا معمارية فريدة وتحمل تاريخًا لحقبة زمنية هامة من تاريخ الوطن، وعند الإعلان عن بيع مبنى عريق ينتاب الكثيرين شعورًا بالقلق خصوصًا وأن مصير المبنى سيترك بين أيدي مشترين جدد ربما يقومون بهدمه أو التعديل فيه أو تغيير أنشطته جملة وتفصيلًا، ليبقى تراثًا محفورًا في الذاكرة فقط وتمحو أثره تطلعات استثمارية جديدة.

وهنا نتحدث عن مبنى المعهد العالي الإيطالي والمدرسة الدولية  ليوناردو دافنشي والقنصلية الإيطالية بمنطقة وسط البلد بالقاهرة، والمقرر بيعه خلال فترة زمنية ليست بالبعيدة، حيث عرضته الحكومة الإيطالية للبيع في مزاد علني بنظام المظاريف المغلقة، وهو يمتد على مساحة تقارب 6 آلاف مترًا وهو مكون من ثلاثة أدوار علوية ومن الداخل عبارة عن فناء داخلي يحيطه سور كبير بالإضافة إلى مبنى المعهد والمدرسة الإيطالية “ليوناردو دافنشي” التي تعد أول معهد ومدرسة إيطالية فتحت أبوابها لدراسة المناهج الإيطالية للمصريين والأجانب بعد أن كانت تقتصر الدراسة على الإيطاليين فقط.

   في السطور التالية نتحدث عن التفجير الذي دمر جزء من مبنى القنصلية وما الذي حدث بعد التفجير ودور التنسيق الحضاري في الحفاظ على المبنى التراثي، وقصة بيع مبني معهد ومدرسة ليوناردو دافنشي والقنصلية الإيطالية، وهل أخبرت السفارة الإيطالية مسئولي المدرسة بعرض المبنى للبيع أم تم اتخاذ القرار من طرف واحد فقط؟

تفجير ثم ترميم

    دوي انفجار ضخم شعر به سكان منطقة وسط البلد، وما هي إلا دقائق معدودة حتى وردت الأنباء بأن سيارة مفخخة انفجرت في محيط مبنى القنصلية الإيطالية الواقعة في 40 شارع 26 يوليو في وسط البلد بالقاهرة.. كان هذا في يوليو من العام 2015.

    الانفجار دمر بشكل كامل بعض مكاتب القنصلية، كما أدى إلى تصدع العديد من المساكن الواقعة بجوارها، وعلى الفور كلّفت الحكومة المصرية شركة المقاولون العرب للقيام بأعمال الترميم للمبنى وإعادته لرونقه، وبعد نحو شهرين سلّمت شركة المقاولون العرب المبنى للحكومة الإيطالية بعد انتهاء أعمال ترميمه.

    على الرغم من إعادة ترميم المبنى، استمرت القنصلية الإيطالية في غلق مكاتبها تحسبًا لحدوث أية شروخ إضافية، ولم تفتح أبوابها منذ تلك اللحظة، ولمدة 9 سنوات، حتى أعلنت السفارة الإيطالية، في أغسطس الماضي، عبر موقعها الإلكتروني، عزمها بيع مبنى المبنى التاريخي في وسط البلد في مزاد علني بنظام المظاريف المغلقة، مما كان مفاجأة خصوصًا وأن المبنى تراثي ذو طرز معمارية هامة، ومر على بناءه أكثر من 156 عامًا، بالإضافة إلى كونه يضم إلى جانب القنصلية، المعهد والمدرسة الإيطالية “ليوناردو دافنشي” التي تخدم عدد كبير من أفراد الجالية الإيطالية والمصريين والأجانب، وتكمن أهميتها في ترسيخ التعاون بين شعبي الدولتين (مصر وإيطاليا) وتعد جسرًا لإثراء العلوم والفنون بين ضفتي البحر المتوسط.

خبر البيع مفاجأة

يقول الدكتور نبيل مرقس رئيس مجلس إدارة المدرسة الإيطالية: “كان مقر القنصلية الإيطالية في وسط البلد في الأصل عبارة عن قطعة أرض قام مجموعة من الإيطاليين الذين ينتسبون إلى شبه جزيرة إيطاليا في نحو عام 1868 بشرائها وقاموا ببناء المدرسة الإيطالية عليها، وظلت المدرسة كائنة داخل المبنى، وفي نحو العام 1906 قامت حكومة إيطاليا بشراء الأرض من خلال عملية تبادل مع الحكومة المصرية، تنص على أن تمتلك الحكومة الإيطالية أرض ومباني المعهد الإيطالي ليوناردو دافنشي مقابل إعطاء مصر مبنى أكاديمية الفنون في روما، في بادرة للتعاون بين ضفتي البحر المتوسط”.

ويضيف “مرقس”: “صدرت المدرسة الإيطالية في مصر بقرار جمهوري في العام 1970 أي قبل نقل القنصلية بعض مبانيها إلى معهد ليوناردو دافنشي في مصر، وكان يسمح فيها بالتدريس للمصريين، ومنذ عام 1990 ومع قرار القنصلية نقل بعض مكاتبها إلى المعهد، اقتصرت الدراسة على الإيطاليين والأجانب فقط، وفي العام 2015 تم إعادة فتح التدريس فيها أمام المصريين مرة أخرى حيث كانت المدرسة تقدم المناهج الإيطالية إلى جانب المناهج المصرية”.

ويتابع: “فوجئنا بخبر إعلان السفارة الإيطالية بيع مبنى القنصلية في مزاد علني في أغسطس الماضي، حيث لم يتم إخبارنا بالأمر وتم التخلي عن المعهد والمدرسة بكامل محتوياتهما التي تضم الأرشيف التاريخي للمدرسة والمعهد منذ عام 1868، وأعداد كبيرة من أجهزة الكمبيوتر، والتكييف ومحتويات معامل كاملة، وهو الأمر المؤسف في حق التبادل العلمي والثقافي بين الدولتين”.

ويشير “مرقس” إلى أن المعهد الإيطالي ليوناردو دافنشي والمدرسة الإيطالية الدولية بنيت بسواعد أجيال من الإيطاليين والمصريين وتمثل جزءًا تاريخيًا هامًا في تاريخ الأوطان يجب الحفاظ عليه من الاندثار.

معلومات سرية

تواصلت الفجر مع “سارة كمال” محامية المسئولة عن تنظيم مزاد بيع القنصلية وإجراءات معاينة مبنى القنصلية الإيطالية حيث قالت إن المعلومات عن أسباب بيع العقار ونتائج المزاد هي معلومات سرية خاصة بالسفارة لا يمكن التصريح بها، وأكدت أن العقار خالي من الأشخاص والشواغل طبقًا لما ورد في كراسة الشروط الخاصة بالمزايدة، ولا تتواجد به أية ممتلكات تخص المدرسة”.

وطبقًا لما ورد بكراسة الشروط الخاصة بالمزايدة رقم 1451 بتاريخ 25/08/2024، فإن مساحة الأرض الإجمالية تبلغ 5457،98 مترًا، وتحتل كافة الأبنية المقامة عليها مساحة 8236 مترًا مربعًا موزعة على ثلاثة أدوار، ويتم بيع المبنى كوحدة إجمالية وليس على أساس سعر المتر المربع، كما ورد بكراسة الشروط أن المبنى يحتاج إلى ترميم.

التنسيق الحضاري يمنع الإضرار بالحالة التراثية للمبنى في حالة البيع

على جانب آخر قالت الدكتورة سهير زكي حواس عضو مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري ورئيس اللجنة الدائمة لحصر المباني التراثية سابقًا أن مبنى القنصلية الإيطالية هو مبنى ذو طراز معماري متميز ومسجل في قوائم التراث طبقًا لقانون رقم 144 لسنة 2006، ويحق للملاك بيع الأرض وبيع المبنى كما يشاؤون، ولكن التسجيل في قوائم الحصر بالتنسيق الحضاري يمنع شاغلي العقار من هدمه أو تغيير شكله أو ملامحه أو إجراء أي تعديل يضر بحالته التراثية، وأكدت أن الدستور يحمي التراث الحضاري ويكفل حماية المباني التراثية ذات القيمة التاريخية الهامة”.

وأشارت حواس إلى أن المعهد والمدرسة ومبنى القنصلية الإيطالية مسجل في الفئة “أ” في قوائم حصر مما يعني أنه حالته جيدة وغير آيل للسقوط، مما يعني أن سبب البيع لا يتعلق بوجود مشكلات في المبنى، وإذا قرر مالك العقار بيعه وأراد المشتري إعادة توظيفه أو إجراء أية تعديلات فيه، لا بد من عرض المشروع أولًا على جهاز التنسيق الحضاري ليتم التعديل وفقًا لاشتراطات الجهاز.

 

 

 




المصدر موقع الفجر


اكتشاف المزيد من نهج

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من نهج

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading